الإسلام السياسي: مقاومة الماضي لعصر لا ينتظر بقلم الفقير .نادى عاطف

الإسلام السياسي: مقاومة الماضي لعصر لا ينتظر     بقلم الفقير .نادى عاطف

الإسلام السياسي ليس مجرد تيار أيديولوجي، بل هو انعكاس لأزمة أعمق، تعيشها المجتمعات التي تخشى التغيير. إنه رد فعل غريزي من الكتلة المحافظة، التي وجدت نفسها في مواجهة عالم متغير، فاختارت الالتفاف حول الماضي كدرع تحتمي به من موجات الحداثة والتطور. لكنه في جوهره، يمثل مقاومة يائسة لعصر يمضي دون انتظار.

جذور الخوف من التغيير

عبر التاريخ، كلما واجهت المجتمعات تحديات مصيرية، لجأت إلى موروثاتها كملاذ آمن. الإسلام السياسي نشأ من هذا السياق؛ حركة ولدت من رحم الأزمات، حيث فشلت الأنظمة السياسية والاقتصادية في تحقيق العدالة والكرامة والتنمية، فوجدت الكتلة المحافظة في استدعاء الماضي محاولة لاستعادة السيطرة والهوية.

لكن العودة إلى الماضي لم تكن أبدًا حلًا لمشاكل الحاضر. فالنصوص والشعارات التي استُدعيت من سياقات تاريخية مختلفة، لم تستطع معالجة معضلات معقدة كالفقر والبطالة والتعليم والحرية.

بين مقاومة العصر والانغلاق

الإسلام السياسي في حقيقته ليس سعيًا نحو العدالة أو التنمية، بل هو محاولة لتجميد الزمن، للهروب من أسئلة الحاضر نحو أجوبة جاهزة من الماضي. هو انغلاق يرفض الاعتراف بأن العالم اليوم يقوم على المعرفة، والابتكار، والشراكة الإنسانية، لا على استنساخ تجارب انتهت صلاحيتها.

لكن مقاومة العصر تأتي بثمن باهظ؛ فالانغلاق يولد مزيدًا من العزلة، ويعمّق الفجوة بين المجتمعات الإسلامية وبقية العالم. تلك المجتمعات التي تخشى التغيير ستجد نفسها أكثر ضعفًا، وأكثر عرضة للاستغلال، وأقل قدرة على تحقيق كرامة الإنسان وازدهاره.

حتمية المواكبة

العالم الحديث لا ينتظر. التطور التكنولوجي، والاقتصاد المعولم، والانفتاح الثقافي، كلها حقائق تفرض نفسها. لا يمكن لأي أمة أن تزدهر بينما هي معزولة خلف جدران الماضي. ستدرك الشعوب، عاجلًا أو آجلًا، أن الإسلام السياسي لم يكن سوى تجربة عقيمة، عجزت عن تقديم العدالة أو التنمية أو الكرامة.

ما بعد الإسلام السياسي: نهضة تبدأ من الداخل

البديل الحقيقي ليس مجرد رفض الإسلام السياسي، بل السعي لصياغة مشروع حضاري جديد. مشروع يوازن بين الأصالة والمعاصرة، بين القيم الروحية والإنجازات الإنسانية.

المجتمعات التي تريد النهوض تحتاج إلى رؤية تحتفي بالحرية والعلم والإبداع، لا رؤية تكتفي باستنساخ إجابات عتيقة. النهضة الحقيقية تبدأ حين ندرك أن العدل والكرامة والتقدم ليست شعارات جوفاء، بل ممارسات تتطلب إصلاحًا شاملًا: في التعليم، والاقتصاد، والثقافة، وفي احترام قيمة الإنسان.

الإسلام السياسي كان محاولة للهروب من الحاضر، لكن المستقبل لا يرحم المترددين. التغيير ليس خيارًا، بل حتمية تفرضها طبيعة الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *