عقدت مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات صالونا ثقافيا بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مؤسسة الصديقية للخدمات الثقافية والاجتماعية، ومؤسسة رباط العلم بالاسكندرية مساء يوم الأحد ٢ فبراير الساعة السادسة مساء بعنوان “الهوية وبناء الإنسان في ظل المتغيرات المعاصرة”.
افتتح الصالون الأستاذ الدكتور محمد سليمان نائب مدير مكتبة الإسكندرية بالترحيب بالحبيب علي الجفري والشيخ محمد الكتاني والشيخ مصطفى ثابت بمكتبة الإسكندرية.
وأكدت إدارة مكتبة الإسكندرية أن “الهوية قد تعرضت للعبث بما يتطلب التنقية والتوعية بأهمية الهوية الوطنية ومسؤولية المؤسسات في الحفاظ على الهوية الوطنية من خلال الأنشطة الثقافية”.
كما وضح أهمية تعزيز دور الهوية في نفوس الأفراد، ومن هنا جاءت هذه الندوة لتوضح كيف يمكن تعزيز التعرف على الوطن وهويته؟.
وأدار الشيخ مصطفى ثابت الجلسة بطرحه لسؤال الهوية، وتأصيله مفاهيميا وبيان دوره المحوري في شغل الفكر البشري بشكل عام وبزوغه في الأوقات التي تجري فيها تحولات كبرى في المجتمعات.
واستعرض السياق التاريخي لسؤال الهوية في الأمة المصرية خلال القرن الماضي، فبين أن هذا السؤال قد شغل كبار مفكرين ومثقفي مصر خلال القرن الماضي، خاصة بعد حصول مصر على استقلالها. وقد كتب الدكتور طه حسين كتابه المشهور “مستقبل الثقافة في مصر”.
وطرح رؤيته حول الهوية المصرية، ولحق به الدكتور عبد الرحمن عزام كتابا يرد فيه على أطروحة الدكتور طه حسين، وتوالت الكتابات بين الشيخ مصطفى عبد الرازق والأستاذ عباس العقاد وغيرهم ووصولا إلى رجوع هذا السؤال مرة أخرى بطغيان فلسفة ما بعد الحداثة.
وأكد الحبيب علي الجفري، عمق هذه التحولات المجتمعية، وبين خاصيتها وهي “الفوارق السريعة خاصة بين الأجيال” وأكمل الحبيب بأنه رغم أن الاختلافات الجيلية تحدث في كل مرحلة، لكن الجديد هي سرعة هذه التحولات. فلم تعد تتكون مشتركات ثقافية بين الجيل الواحد فضلاً عن الأجيال المختلفة”.
وأجاب فضيلة الشيخ محمد يحيى الكتاني، عن سؤال عن الروافد المتعددة للهوية المصرية بأن قضية الهوية برزت بعد نشأة العولمة التي من خصائصها إذابة الفوارق، فهي تريد امتزاج المجتمعات وعدم التمازج بينها، إلا أنه يحصل لصالح قوة معينة. فتذوب الهويات ويصبح المسلم لا يعتز بهويته الدينية.
واستشهد الشيخ الكتاني بالرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، لما ثبتهم صلي الله عليه وسلم بالتأكيد على نفسه بهويته الدينية والاجتماعية بقوله الشريف “أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب”. وعليه فلا يمكن أن يوجد تعارض بين الهوية الدينية والاجتماعية؛ لأن الهوية ناشئة عن الانتماء والانتماء يدعم الهوية، فلا يوجد إنسان يستطيع أن يوجد بلا هوية ولو في الدائرة الإنسانية على الأقل”.
وبين الحبيب العلاقة بين اللغة والهوية، في أن “اللغة تشكل وجدان الإنسان وسلم القيم والركن الركين في هوية الإنسان”، وأهاب الحبيب بالآباء ألا يتكلموا مع أبناءهم إلا بالعربية، بالرغم من أننا متأخرين عن دراسة اللغة العربية، فهذا لا يلغي فكرة أننا في خطر. فاللغة عمق فكري وفلسفي لكن طريقة دراستنا للغات الأخرى دراسة ما يعرف business language أو القدر المفيد للعمل، ووضح الحبيب بأن اللغة ليست معرفة فقط ولا دراسة فقط بل وكذلك ذوق وبدونها يصعب أن نفهم ديننا وحياتنا ومستقبلنا.
وأكد الحبيب أن هوية الإنسان أوسع من مجرد الجسد، “ما نؤمن به في ديننا أن الإنسان ليس جسدا ولا رغبات”، فخلق الله الإنسان بخمس مكونات أساسية، “فخلق فيه العقل وهو الة التمييز بين الصواب والخطأ، ويستنبط به الأحكام”.
كما خلق فيه النفس وهي مكمن الرغبات في الإنسان والتفاعلات بداخله، وجعلها متدرجة. والرابع القلب وهو اللطيفة النورانية ولها صلة بمضغة اللحم، وهي محل نظر الرب وبنوره يعرف الله، وهو صاحب القرار في الإنسان. وروح وهي الجزء النوراني في الإنسان الذي لا يتلطخ مهما بعد، ومهمة الروح الحب وفي طياتها عوالم أخرى للإنسان. فإذا اختزل الإنسان وجوده في الجسد المادي، يصبح بعيدا عن الواقع. ومراعاة هذه المكونات يترتب عليه شئ مهم في الهوية.
واختتم الحبيب كلمته بأنه لا يعني إغفال الأسباب المادية، بل إننا تأخرنا في الأخذ بأسباب القوة، وقد تعلمنا من العلماء في الأزهر بأننا آثمون مادمنا عالة على العالم.
وليس أمامنا الكثير، إذ يجب التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي بحد أقصى خلال 10 إلى 15 سنة.
واختتم الصالون بتسليم دروع التميز إلى السادة المشايخ الأفاضل.